بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمـــــــة
إن الحمد لله...نحمده...ونستعينه...ونستغفره...ونستهديه,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له,ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا...وأشهد أن لا اله إلا الله,وحده لا شريك له,وأشهد أن محمداً عبده ورسوله,وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد صادق الوعد الأمين,وعلى آله الطيبين الطاهرين,وصحابته الغر الميامين,ومن دعا بدعوته,ومات على ملته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن علم التاريخ علم جليل القدر عظيم الفوائد ذلك لأنّ به يقف الإنسان على حقائق ماضيه من أخبار وحوادث لشخصيات أو قبائل أو أمم، وهو علم إهتم به القرآن الكريم حيث ورد كثير من قصص الأمم الماضية فيه من ذلك قوله تعالى: (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً).
وقصص الأمم الماضية وتاريخها يكسب الأجيال المتلاحقة خبرة وفهماً لتلك الأحداث.
كما يحصل بها الإتعاظ للأجيال المتعاقبة على مدى الأزمان قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) .
وقد أجاد الشاعر في قوله:
ليس بإنسان ولا عـــــالم ... من لم يع الأخبار في صدره
ومن درى أخبار من قبله ... أضاف أعماراً إلى عمــــره
وإذا كان علم التأريخ من الأهمية بمكان؛ فذروة سنامه تاريخ سيرة سيد البشر محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).
فهو علم شريف لشرف النبي(صلى الله عليه وسلم) ولأنه مع ذلك ينقل إلينا أفعاله(صلى الله عليه وسلم) ونحن مأمورون بإتباعه والإقتداء به قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…).
لقد أصاب العرب المسلمين في العصور الحديثة التسلط الأجنبي وفي شتّى النواحي:السياسية,والإقتصادية,والثقافية,الأمر الذي أدّى إلى تجزئةٍ وتدهورٍ في الأوضاع الإجتماعية,والسياسية,والإقتصادية,وقد إمتد ذلك إلى التلاعب بموروث الأمة الحافل بالأمجاد,والزاخر بالبطولات,كما شمل أصالة الأمة ودورها الرائد في خدمة الحضارة الإنسانية,وإنطلاقاً مما تقدم وقع على عاتق أبناء هذه الأمة وفي مختلف الإختصاصات أن يبحثوا,ويدققوا,ويسبروا أغوار إرثنا الحضاري لكي نقف على حقيقة كنوزه,ومما لا شك فيه أنّ البحث والتقصي في الموروث لا يعني الإقتصار على ناحيته المادية من دون الفكريــــــــــة,لأن
البحث في مقومات تراثنا يستنهض الهمم للغوص في كل جوانبه الروحية,والفكرية, والإجتماعية, والسياسية,والإقتصادية.
قبل أن نبدأ بدراسة تاريخ أمتنا العربية الإسلامية خلال عصر الرسول(صلى الله عليه وسلم) ووسائل إنتشار الرسالة والترويج لها ,علينا أن ندرس حالة المجتمع العربي قبل الإسلام وأن نلم بتأريخ هذا العصر والذي كان يدعى بالعصر الجاهلي,حيث يتكون المجتمع العربي من عنصرين أساسيين هما البدو والحضر,فالبدو هم سكان البادية الذين يعملون في تربية الإبل بالدرجة الأساس معتمدين في حياتهم على ألبانها ولحومها,ويتنقلون في البوادي بحثاً عن الماء والكلأ, لهذا فهم كثيروا الترحال خلال فصول السنة,في حين نجد الحضر وهم سكان الحواضر والقرى,يسكنون في بيوت دائمية وثابتة, ومصدر عيشتهم هو الزراعة,والتجارة,والصناعة, وغيرها من الأعمال والحرف,والحد الفاصل بين البداوة والحضارة هو طراز الحياة ونوعها.
لم يكن العرب على نفس النمط من الحالة الإجتماعية والعادات السائدة آنذاك,فقد تنوعت بين أوساط العرب وتباينت من وسط لآخر.
كان تنظيم العرب الإجتماعي هو التنظيم القبلي,فقد أعتُبِرت الأسرة عند أغلب الأمم وحدة إجتماعية,ومن هذه الأسر تتكون العشيرة,ثم تكوِّن هذه العشائر المتقاربة النسب قبيلة واحدة.
وكانت العصبية أساس النظام القبلي عند العرب قبل الإسلام,أي التعصب للأهل والعشيرة والقبيلة وسائر التفرعات,والعصبية(إنما تكون من الإلتحام بالنسب,ومن صلتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام أن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة),ولم تكن العصبية بنفس المستوى لكل الحالات فهي تختلف بإختلاف درجات تقارب الأنساب,ولهذا نجد عصبيات مختلفة.
لم يعرف العرب التاريخ في جاهليتهم إلا ما توارثوه بالرواية,وكانت طبيعة التاريخ حينئذ مسايرة لطبيعة الحياة العربية,ففيه مفاخر الآباء والأجداد من بطولة ومن كرم ومن وفاء,وفيه الأخبار تدور حول الأنساب والأحلاف, وفيه ما صنعوا من حديث يذكر تاريخ البيت وسدنته,وزمزم وانبعاثها,وأنباء جرهم وأمراء قريش,وسد مأرب الذي إنبثق فتفرق القوم إثره في البلاد,وما كان من أخبار الكهان,وأسجاعهم,ونحو ذلك مما يصوّر حياتهم الإجتماعية والسياسية والدينية.
وجاء الإسلام وتلك الأخبار تروى,وتلك الأنباء تؤثر,ثم وجدوا في ظهور دعوة الإسلام وما سبقها من إرهاص بالنبوة, ومن حياة الرسول(صلى الله عليه وسلم) الأولى ونشأته الكريمة,وما تلى ذلك من أنباء الرسالة وأنباء المسلمين أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وسلم),وأخبار أعدائه وسيرته في المسلمين والمشركين والنصارى واليهود,مادة غزيرة النبع واسعة الآفاق,فتداولوا بينهم تلك الأخبار عن طريق الرواية كذلك,وكان القرآن الكريم والحديث النبوي وكلام الأصحاب,سجلّاً حافلاً لتلك الحياة الجديدة.
إن دراسة الهدي النبوي أمرٌ له أهميته لكل مسلم,فهو من يجلعنا نقتدي بنبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)من خلال معرفة شخصيته,وأعماله وأقواله وتقريراته,وتكسب المسلم محبــــــــــة
المصطفى محمد (صلى الله عليه وسلم)وتنميها وتباركها,كما أن دراسة السيرة النبوية لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) توضح للمسلم حياة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بكل تفاصيلها منذ ولادته حتى مماته,وبجميع مراحل الحياة,فهو الطفل اليتيم,والفتى الذي يعمل في رعي الأغنام والتجارة,وهو الزوج,والأب,والقائد,والمحارب,والحاكم والسياسي,والداعية والزاهد والقاضي.
كما أن من يدرس سيرة نبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)يجد فيها أساليب نشر الرسالة ومراحلها المتسلسلة,ويتعرف على الوسائل المناسبة لكل مرحلة من مراحلها,وكيف تعلم المسلمون من سيرة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)الآداب الرفيعة,والأخلاق الحميدة,والعقائد السليمة,والعبادة الصحيحة,وسمو الروح,وطهارة القلب,وحب الجهاد في سبيل الله,وطلب الشهادة في سبيله.
في هذا الكتاب تطرقنا إلى:
حيث في بداية الرسالة لم يسمع الناس بعد القرآن الكريم بكلام قط أعلم نفعاً ولا أصدق لفظاً,ولا أعدل وزناً ولا أجمل مذهباً,ولا أبين عن فحواه من كلام رسول
الله(صلى الله عليه وسلم)لأنه الكلام الذي قَلّتْ حروفه,وكثر معناه,وجل عن الصنعة,وتنزه عن التكليف,حيث لم ينطق عن الهوى,قال تعالى:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى),واشتملت خطب النبي(صلى الله عليه وسلم)على جميع جوانب الحياة, وأصبحت دليل عمل لدى جميع المسلمين منذ أن ألقاها وإلى يومنا هذا.
ومن الله التوفيق
المؤلف
نيسان 2019